مكان وضع الدبلة بعد الزواج

مكان وضع الدبلة بعد الزواج: بين التقاليد والرمزية الاجتماعية

يُعد ارتداء الدبلة من أكثر الرموز شهرةً وانتشاراً في العالم التي تعبّر عن الارتباط الرسمي بين شخصين، وخاصة في مراحل الخطوبة والزواج. ولعلّ السؤال “أين توضع الدبلة بعد الزواج؟” من أكثر الأسئلة التي تتكرر بين المقبلين على الزواج أو المهتمين بفهم الرمزية الثقافية والاجتماعية لهذا الطقس العريق. يمتد هذا التقليد عبر قرون من التاريخ البشري، ويختلف موضع الدبلة بعد الزواج من ثقافة لأخرى، بل وحتى من شخص لآخر داخل المجتمع الواحد، بحسب المرجعيات الدينية، العادات، التقاليد، والاعتبارات الشخصية.

يتناول هذا المقال دراسة تفصيلية موسعة وعلمية عن مكان وضع الدبلة بعد الزواج، مستعرضاً الأبعاد الثقافية والتاريخية والنفسية والاجتماعية لهذا الطقس، إلى جانب استكشاف الفروقات الجغرافية والدينية بين الشعوب في هذا السياق، مع توضيح الأسباب والرموز المرتبطة باليد أو الإصبع الذي توضع فيه الدبلة بعد الزواج.

الجذور التاريخية لفكرة الدبلة

يرتبط مفهوم الدبلة بعصور قديمة جداً، إذ تشير الأدلة التاريخية إلى أن المصريين القدماء هم أول من استخدم الدبلة كرمز للارتباط، حيث كانوا يصنعونها من القصب أو الجلود المجدولة، وتُلبس في الإصبع الرابع من اليد اليسرى، اعتقاداً منهم أن هناك عرقاً يمتد من هذا الإصبع مباشرة إلى القلب، سموه “عرق الحب”. هذه الرمزية بقيت حيّة حتى يومنا هذا في كثير من الثقافات.

انتقل هذا التقليد لاحقاً إلى الحضارات الرومانية واليونانية، ثم إلى أوروبا في القرون الوسطى، قبل أن ينتشر عالمياً مع تطور مفهوم الزواج وتحوّله إلى مؤسسة اجتماعية وقانونية.

الدبلة في فترة الخطوبة والزواج: التفريق بين المرحلتين

في معظم المجتمعات، تُرتدى الدبلة في فترة الخطوبة في اليد اليمنى، وتُحوّل بعد الزواج إلى اليد اليسرى. يرمز هذا التحوّل إلى الانتقال من مرحلة الوعد بالزواج إلى مرحلة الارتباط الرسمي والدائم. ومع ذلك، تختلف الممارسات باختلاف المرجعيات الثقافية والدينية.

مكان وضع الدبلة بعد الزواج حسب المناطق والثقافات

1. الدول العربية

في العالم العربي، تسود العادة بوضع دبلة الخطوبة في اليد اليمنى، ثم تُنقل إلى اليد اليسرى بعد الزواج، وتحديداً في الإصبع الرابع، على اعتبار أنه يمثل مكان القلب رمزياً. لكن هناك بعض الفئات في المجتمعات العربية، خصوصاً ذات المرجعية الدينية أو التقليدية المحافظة، تستمر في ارتداء الدبلة في اليد اليمنى، معتبرة أن اليمنى أكثر شرفاً وكرامة من اليسرى.

2. الثقافات الغربية

في غالبية دول أوروبا الغربية والأمريكتين، توضع الدبلة بعد الزواج في اليد اليسرى، في الإصبع الرابع. ويُشار إلى هذا الإصبع بـ”إصبع البنصر”، ويعود هذا التقليد إلى الاعتقاد الروماني القديم بوجود “عرق الحب” المتصل بالقلب.

3. الثقافات الآسيوية

في الصين واليابان والهند، تختلف العادات، فالبعض لا يستخدم الدبلة إطلاقاً كرمز للزواج، ويفضل استخدام تقاليد أخرى مثل تبادل الهدايا أو ارتداء الزينة الرمزية، لكن مع التحديث والعولمة، بدأ استخدام الدبلة ينتشر تدريجياً، وغالباً ما توضع في اليد اليسرى.

4. الثقافات المسيحية والأرثوذكسية

في بعض البلدان ذات الغالبية المسيحية الأرثوذكسية مثل روسيا واليونان، توضع الدبلة في اليد اليمنى حتى بعد الزواج، وتُعتبر اليمنى رمزية للبركة والقوة.

البعد الديني والشرعي لمكان وضع الدبلة

من المنظور الإسلامي، لا يوجد نص صريح يُحدد اليد أو الإصبع الذي يجب أن توضع فيه الدبلة، كما أن لبس الدبلة عموماً ليس من السنن الشرعية. ومع ذلك، فقد درجت العادة بين المسلمين على ارتداء خاتم الزواج أو الخطوبة كرمز للارتباط، دون التشديد على اليد أو الإصبع، على اعتبار أن المسألة تدخل ضمن الأعراف الاجتماعية وليست من القضايا العقدية.

بعض العلماء المعاصرين يرون أن وضع الدبلة في يد معينة لأجل التشبه بالغرب قد يدخل في باب “التشبه بغير المسلمين” إن كان عن تقليد أعمى، بينما يرى آخرون أن ذلك لا يؤثر طالما كانت النية خالية من التشبه المحظور، ويُعدّ من قبيل العادة لا العبادة.

الدبلة من منظور علم النفس

يرى علماء النفس أن الدبلة لا تمثل فقط خاتماً معدنيّاً، بل هي رمز دائم يُعزز الشعور بالالتزام العاطفي والاجتماعي. إن وجود خاتم في إصبع الشخص يُرسل رسائل غير لفظية للآخرين بعدم التوفر العاطفي، ويُشعر الطرف الآخر بالأمان، ويرتبط في الوعي الباطن بكلمات مثل: “انتماء”، “استقرار”، “عهد”، و”ديمومة”.

الدبلة أيضاً تُعزز التمثّل الذاتي (self-representation) للفرد على أنه في علاقة رسمية مستقرة، وتُساعد على تحسين جودة العلاقات الزوجية بفضل التذكير الرمزي المستمر بهذا الارتباط.

الدبلة والرمزية الجسدية: لماذا الإصبع الرابع؟

يتكرّر سؤال: لماذا يتم اختيار الإصبع الرابع تحديداً لوضع الدبلة؟ والجواب يرتبط بمزيج من الأساطير القديمة والتفسيرات الرمزية:

1. الأسطورة المصرية والرومانية: كما سبق، اعتقد القدماء بوجود عرق يتصل بالقلب من الإصبع الرابع.

2. المرونة العضلية: عملياً، الإصبع الرابع قليل الاستخدام في الأعمال اليومية، مما يجعله مكاناً مناسباً للخواتم من دون تعارض مع الأنشطة.

3. رمزية العدد: الرقم أربعة في بعض الثقافات يمثل الاستقرار والتوازن، وهو ما يعكس فلسفة الزواج.

تطور الخواتم الزوجية في العصر الحديث

مع تطور صناعة المجوهرات، لم يعد شكل الدبلة تقليدياً كما في السابق، بل ظهرت أنماط متنوعة تشمل:

• الدبلة التقليدية البسيطة.

• الدبلة المزينة بالأحجار الكريمة.

• الدبلة المنقوشة بالأسماء أو التواريخ.

• الدبلة الإلكترونية الحديثة التي تتصل بهاتف الشريك عبر التطبيقات.

وترافق هذا التطور مع تطور في المفاهيم المرتبطة بالزواج، حيث لم تعد الدبلة مجرد رمز، بل قد تحمل بصمة عاطفية وذكريات خاصة جداً بين الزوجين، لا تعوّض مادياً.

العادات المتغيرة في المجتمعات الحديثة

في الوقت الحالي، ظهرت أنماط جديدة في التعامل مع الدبلة ومكانها، مثل:

• بعض الأزواج يقرران عدم ارتداء أي دبلة بعد الزواج، مكتفيين بالارتباط المعنوي.

• في بعض الثقافات الحضرية، يوضع الخاتم في سلسلة حول الرقبة.

• بعض الأزواج يلبسون دبلة واحدة طيلة حياتهم، بينما يغيّر آخرون الخاتم مع المناسبات المهمة (مثل الذكرى السنوية أو ولادة طفل).

هذا التحول يعكس تطور مفهوم الزواج من كونه مؤسسة تقليدية إلى علاقة إنسانية مرنة، تتكيّف مع تغيّرات الحياة والمجتمع.

خاتمة تحليلية

عبر هذا العرض الموسع، يتبيّن أن مكان وضع الدبلة بعد الزواج ليس مجرد مسألة شكلية أو تكميلية، بل هو امتداد لثقافة المجتمع وتاريخه، وهو تمثيل رمزي له أبعاد نفسية واجتماعية ودينية. فالخاتم الذي يزيّن الإصبع، مهما كان موقعه، يحمل في داخله معاني العهد، والالتزام، والولاء، والحب.

قد يختلف الناس في الإجابة على سؤال “أين توضع الدبلة بعد الزواج؟”، لكنهم يتفقون في دلالتها، وهو ما يمنح هذا التقليد الإنساني البسيط قوة استثنائية في التعبير عن العلاقة الأعمق بين شخصين اختارا أن يسيرا معاً في رحلة الحياة.

المراجع:

1. Encyclopedia Britannica – Wedding Ring Traditions: https://www.britannica.com

2. Psychology Today – Symbolism and Meaning in Relationships: https://www.psychologytoday.com